هذا البحث صدقة جارية لوالدي رحمه الله و والدتي أطال الله في عمرهاو رزقها الصحة و البركة.
مقدمة :
تعتبر البنيوية حركة فكرية ذات قاعدة عريضة، بدأت قبل عام 1930 في كل من أوربا وأمريكا من دون اتصال بينهما، وكان اللغوي السويسري فردينان دي سوسير قد أرسى قاعدتها، عندما استطاع أن يؤسس هذه المدرسة اللغوية الحديثة التي عدت نموذجا رائعا لبقية العلوم الإنسانية، ومكنتها من أن تضارع العلوم الرياضية والطبيعية في خضوعها للمنهج العلمي الدقيق.
وعلى الرغم من أن دي سوسير نفسه لم يستخدم كلمة بنية أو بنيوي في محاضراته، إلا أن أفكاره ومفاهيمه الثورية عن الانفصال الجوهري بين اللغة والكلام، وكذلك إحلاله النظرة الوصفية محل النظرة التاريخية في الدرس اللغوي مفرقا بذلك بين المنهج التاريخي (Historique). والمنهج الوصفي (Descriptive) في هذا الدرس... كانت قد وفرت قاعدة عريضة للبنيوية التي ركزت على الوظيفة الاجتماعية (التواصلية) للغة، وميزت بين الظواهر التعاقبية والخصائص المميزة للنظام اللساني في مرحلة زمنية معينة.
من نقطة الانطلاق هذه توصل البنيويون عامة إلى القول بأن أي معنى في مجال من مجالات الفعاليات الإنسانية يتألف من منظومات مغلقة ومستقلة تماما عن العالم المادي. وبذلك فقد استطاع هذا العلم الذي ثبت أركانه ودعم قواعده أن يلج أقطار العالم ومفكريه من أوربا إلى أمريكا إلى روسيا... وليظهر في إطاره الشمولي المؤتلف في شكل مدارس وفي شكل نزعات ومذاهب ونظريات.
- ومن هنا نطرح الإشكالية التالية :إلى أي مدى إستطاع هذا المنهج أن يحيط بالنص الأدبي من جميع جوانبه و إلى أي مدى تمكنت مدارس البنيوية من لمس مناطق الإثارة الحساسة للإبداع الأنساني؟
تساؤلات الدراسة :
كما إرتأينا أن نطرح تساؤلات و هي كالتالي :
و من هنا أشرنا عدد من التساؤلات سوف نتطرق إلى الإجابة عنها من خلال الدراسة هي :
ماهي البنيوية؟ وماهي مرتكزاتها؟ ومفاهيمها؟ وكيف تطورت في النقدين: الغربي والعربي؟
فرضيات :
وانطلاقا من بعض الفرضيات حول موضوع بحثنا و التي هي تتمثل في أن البنيوية
تقوم على فكرة الكلية أو المجموع المنتظم. اهتمت بجميع نواحي المعرفة الإنسانية، وإن كانت قد اشتهرت في مجال علم اللغة والنقد الأدبي، ويمكن تصنيفها ضمن مناهج النقد المادي الملحدة.
منهج الدراسة :
اعتمدت الدراسة علي المنهج الوصفي التحليلي لان هذا المنهج يعتمد علي وصف المنهج البنيوي وتحديد وتحليل أنواعه واتجاهاته فوجدنا أن المنهج البنيوي يهتم بشكل النص و الذي يعتمد علي التفكيك والتركيب قصد إعادة بناء النص من جديد وتحديد ثوابته البنيوية .
خطة البحث :
مقدمة :
الفصل الأول : ماهية البنيوية و أهم مدارسها و أبرز معتقداتها
المبحث الأول :مفاهيم البنيوية
المبحث الثاني : البنيوية و أنواعها
المبحث الثالث : أفكار والمعتقدات البنيوية
المبحث الرابع : أهم المدارس البنيوية
الفصل الثاني : :التأثيرات الفكرية التي نتجت عن البنيوية
المبحث الأول المقاربة البنيوية و التحولات التي مرت بها
المبحث الثاني : صراع ضد البنيوية
المبحث الثالث : البنيوية في العالم الغربي و العالم العربي
المبحث الرابع : البنيوية اللسانية والنقد الأدبي
الخاتمة :
قائمة المراجع
الفصل الأول : ماهية البنيوية و أهم مدارسها و أبرز معتقداتها
المبحث الأول :مفاهيم البنيوية
ظهرت البنيوية أساسا كمنهج بحث مستخدم في عدة تخصصات علمية تقوم على دراسة العلاقات المتبادلة بين العناصر الأساسية المكونة لبنى يمكن ان تكون: عقلية مجردة، لغوية، اجتماعية، ثقافية. بالتالي فإن البنيوية تصف مجموعة نظريات مطبقة في علوم ومجالات مختلفة مثل الإنسانيات والعلوم الاجتماعية والاقتصاد لكن ما يجمع جميع هذه النظريات هو تاكيدها على ان العلاقات البنيوية بين المصطلحات تختلف حسب اللغة/الثقافة وان هذه العلاقات البنيوية بين المكونات والاصطلاحات يمكن كشفها ودراستها. بالتالي تصبح النبيوية مقاربة أو طريقة (منهج) ضمن التخصصات الأكاديمية بشكل عام يستكشف العلاقات الداخلية للعناصر الأساسية في اللغة، الأدب، أوالحقول المختلفة للثقافة بشكل خاص مما يجعلها على صلة وثيقة بالنقد الأدبي وعلم الإنسان الذي يعنى بدراسة الثقافات المختلفة. تتضمن دراسات البنيوية محاولات مستمرة لتركيب "شبكات بنيوية" أو بنى اجتماعية أو لغوية أو عقلية عليا. من خلال هذه الشبكات البنيوية يتم إنتاج ما يسمى "المعنى" meaning من خلال شخص معين أو نظام معين أو ثقافة معينة. يمكن اعتبار البنيوية كاختصاص أكاديمي أو مدرسة فلسفية بدات حوالي 1958 وبلغت ذروتها في الستينات والسبعينات.
تستند البنيوية إلى مجموعة من المصطلحات والمفاهيم الإجرائية في عملية الوصف والملاحظة والتحليل وهي أساسية في تفكيك النص وتركيبه كالنسق والنظام والبنية والداخل والعناصر والشبكة والعلاقات والثنائيات وفكرة المستويات وبنية التعارض والاختلاف والمحايثة والسانكرونية والدياكرونية والدال والمدلول والمحور التركيبي والمحور الدلالي والمجاورة والاستبدال والفونيم والمورفيم والمونيم والتفاعل، والتقرير والإيحاء،والتمفصل المزوج.الخ. وهذه المفاهيم ستشتغل عليها فيما بعد كثير من المناهج النقدية ولاسيما السيميوطيقا الأدبية والأنتروبولوجيا والتفكيكية والتداوليات وجمالية القراءة والأسلوبية والموضوعاتية .
المبحث الثاني : البنيوية و أنواعها
إذا تأملنا البنيوية جيدا وبعمق دقيق باعتبارها مقاربة ومنهجا وتصورا فإننا سنجد بنيويات عدة وليس بنيوية واحدة: فهناك البنيوية اللسانية مع دي سوسير ومارتنيه وهلمسليف وجاكبسون وتروبوتسكوي وهاريس وهوكيت وبلومفيلد...، و البنيوية السرديةNarratologie مع رولان بارت وكلود بريمون وجيرار جنيت...، والبنيوية الأسلوبية stylistique مع ريفاتير وليو سبيتزر وماروزو وبيير غيرو، وبنيوية الشعر مع جان كوهن ومولينو وجوليا كريستيفا ولوتمان...، والبنيوية الدراماتورجية أو المسرحية Dramaturgie مع هيلبو... أو البنيوية السينمائية مع كريستيان ميتز....، والبنيوية السيميوطيقية مع غريماس وفيليب هامون وجوزيف كورتيس...، والبنيوية النفسية مع جاك لاكان وشارل مورون ، والبنيوية الأنتروبولوجية خاصة مع زعيمها كلود ليڤي شتراوس الفرنسي وفلاديمير بروب الروسي، والبنيوية الفلسفية مع جان بياجيه وميشيل فوكو وجاك دريدا ولوي ألتوسير.
البنيوية التكوينية :
البنيوية التكوينية، أو التوليدية، فرع من فروع البنيوية نشأ استجابة لسعي بعض المفكرين والنقاد الماركسيين للتوفيق بين طروحات البنيوية، في صيغتها الشكلانية، وأسس الفكر الماركسي أو الجدلي، كما يسمى أحياناً، في تركيزه على التفسير المادي الواقعي للفكر والثقافة عموماً.
أسهم عدد من المفكرين في صياغة هذا الاتجاه منهم المجري جورج لوكاش، والفرنسي بيير بورديو. غير أن المفكر الأكثر إسهاماً من غيره في تلك الصياغة هو الفرنسي الروماني الأصل لوسيان غولدمان. وكانت طروحات غولدمان نابعة وبشكل أكثر وضوحاً من طروحات المفكر والناقد المجري جورج لوكاش الذي طور النظرية النقدية الماركسية باتجاهات سمحت لتيار كالبنيوية التكوينية بالظهور وعلى النحو الذي ظهرت به، في الوقت الذي أفاد فيه أيضاً من دراسات عالم النفس السويسري جان بياجيه، وقد أشار غولدمان إلى تأثير بياجيه تحديداً في استعماله لمصطلح (البنيوية التكوينية): (لقد عرّفنا أيضاً العلوم الإنسانية الوضعية، وبتحديد أكثر المنهج الماركسي بتعبير مماثل تقريباً (استعرناه،علاوة على ذلك، من جان بياجيه)، هو البنيوية التكوينية .
المبحث الثالث : أفكار والمعتقدات البنيوية
إن دراسة أي ظاهرة أو تحليلها من الوجهة البنيوية. يعني أن يباشر الدارس أو المحلل وضعها بحيثياتها وتفاصيلها وعناصرها بشكل موضوعي، من غير تدخل فكره أو عقيدته الخاصة في هذا، أو تدخل عوامل خارجية (مثل حياة الكاتب، أو التاريخ) في بنيان النص. وكما يقول البنيويون: "نقطة الارتكاز هي الوثيقة لا الجوانب ولا الإطار وأيضاً: "البنية تكتفي بذاتها. ولا يتطلب إدراكها اللجوء إلى أي من العناصر الغريبة عن طبيعتها".
وكل ظاهرة – تبعاً للنظرية البنيوية – يمكن أن تشكل بنية بحد ذاتها؛ فالأحرف الصوتية بنية، والضمائر بنية، واستعمال الأفعال بنية.. وهكذا.
- تتلاقى المواقف البنيوية عند مبادىء عامة مشتركة لدى المفكرين الغربيين، وفي شتى التطبيقات العملية التي قاموا بها، وهي تكاد تندرج في المحصلات التالية:
- السعي لحل معضلة التنوع والتشتت بالتوصل إلى ثوابت في كل مؤسسة بشرية.
- القول بأن فكرة الكلية أو المجموع المنتظم هي أساس البنيوية، والمردُّ التي تؤول إليه في نتيجتها الأخيرة.
- سارت البنيوية في خط متصاعد منذ نشوئها، وبذل العلماء جهداً كبيراً لاعتمادها أسلوباً في قضايا اللغة، والعلوم الإنسانية والفنون، فإنهم ما اطمأنوا إلى أنهم توصلوا، من خلالها، إلى المنهج الصحيح المؤدي إلى حقائق ثابتة.
- في مجال النقد الأدبي، فإن النقد البنيوي له اتجاه خاص في دراسة الأثر الأدبي يتخلص: في أن الانفعال والأحكام الوجدانية عاجزة تماماً عن تحقيق ما تنجزه دراسة العناصر الأساسية المكونة لهذا الأثر، لذا يجب أن تفحصه في ذاته، من أجل مضمونه، وسياقه، وترابطه العضوي، فهذا أمرٌ ضروري لا بد منه لاكتشاف ما فيه من ملامح فنية مستقلة في وجودها عن كل ما يحيط بها من عوامل خارجية.
- إن البنيوية لم تلتزم حدودها، وآنست في نفسها القدرة على حل جميع المعضلات وتحليل كل الظواهر، حسب منهجها، وكان يخيل إلى البنيويين أن النص لا يحتاج إلا إلى تحليل بنيوي كي تنفتح للناقد كل أبنية معانيه المبهمة أو المتوارية خلف نقاب السطح. في حين أن التحليل البنيوي ليس إلا تحليلاً لمستوى واحد من مستويات تحليل أي بنية رمزية، نصيّة كانت أم غير نصيّة. والأسس الفكرية والعقائدية التي قامت عليها، كلها تعد علوماً مساعدة في تحليل البنية أو الظاهرة، إنسانية كانت أم مأدبية.
- لم تهتم البنيوية بالأسس العَقَديَّة والفكرية لأي ظاهرة إنسانية أو أخلاقية أو اجتماعية، ومن هنا يمكن تصنيفها مع المناهج المادية الإلحادية، مثل مناهج الوضعية في البحث، وإن كانت هي بذاتها ليست عقيدة وإنما منهج .
المبحث الرابع : أهم المدارس البنيوية
مدرسة براغ (l’école de Praque) :
تعتبر مدرسة براغ من أهم المدارس اللسانية ذات المنحى البنيوي في أوربا و إن كانت في حقيقتها امتدادا للمدرسة الروسية، ذلك أن جل الباحثين في هذه المدرسة هم من النازحين الروس (جاكبسون – تروبتسكوي – كارسفسكي ...) و قد ركزت هذه المدرسة على الطابع الوظيفي للغة سواء من الناحية النحوية أو الصوتية أو الدلالية، حيث يقوم التيار الوظيفي في الدراسات اللسانية الحديثة على ضرورة دراسة اللغة باعتبارها نظاما تتحرك به الألسنة بطريقة معينة لتتمكن من التواصل، و على هذا الأساس يجب دراسة هذا النظام في ذاته و لذاته لتفهم كيفية تحقيقه لهذه الغاية.
و كانت حلقة براغ أول من استعمل كلمة "بنية") (Structure كمفهوم جديد، و ذلك سنة 1928 أين انعقد أول مؤتمر دولي للسانيات بلاهاي. و لقد استفادت هذه الحلقة كثيرا من آراء دي سوسير بقدر ما استغلت منطلقاتها النظرية في أعمالها و كونت لنفسها نظرية لغوية، يقول الدكتور صلاح فضل معبرا عن هذه الحقيقة: « ... لقد خطت حلقة براغ بالدراسات البنائية خطوات هامة، فجنحت إلى التخلص من الطابع الشكلي البحث و لم تعد قاصرة على الدراسات اللغوية و الأدبية، بل امتدت اهتماماتها إلى المجالات الاجتماعية و النفسية و الفلسفية دون أن تغفل علم اللغة كنموذج لهذه الدراسات (...) كما كان من علامات نضج حلقة "براغ" بالنسبة لتصوراتها البنيوية أنها لم تعد تحصرها على ما يلاحظ في الواقع المباشر فحسب، بل ركزت على العلاقات التحديدية النظرية و ما يمكن أن تفسره من علاقات فرضية » (01) .
و لقد طورت هذه المدرسة آراء دي سوسير البنيوية، لأنها لم تقتصر على الوصف العلمي، بل تعدته إلى التحليل الوظيفي و التفسير الواقعي، و أثبتت أن المناهج الفونولوجية صالحة للدراسات الآنيــــة و الزمانية على السواء. كما ارتبطت « بنائية براغ بنظرية "الظواهر" عند "هوسرل" الذي كان وثيق الصلة الشخصية بمفكري براغ و الذي اشترك في كثير من مؤتمراتهم. و قد ساعد هذا على الاعتراف بفكرة البنية النموذجية كمرحلة أولى في عملية توالد الظواهر تؤدي إلى اكتشاف كـــلية الكــون ووحدتــه و شموله» (02) .
وتضم أوروبا الغربية - على غرار مدرستي جنيف و براغ - عددا من المدارس اللسانية التي تكونت على يد لفيف من اللسانيين الأوروبيين أمثال : هلمسليف ، بروندال ، فيرث ، وغيرهم ممن قرءوا محاضرات دي سوسير باهتمام و أدركوا وجاهة طروحاتها و أهمية الثورة اللسانية التي جاءت لها ، فتبنـــــــــــوها و سخروا أقلامهم لشرح مقولاتها و استثمار مفاهيمها و تعريف الدراسيين بها ... و من هذه المدارس :
مدرسة كوبنهاغن : هذه المدرسة الدانيماركية التي تمركزت بكوبنهاغن واقترنت أساسا باسم لويس هيملسيف و بروندال. و قد عرفت بالمدرسة الغلوسيمية ، أين حاولت توسيع المفاهيم السويسرية و ذلك في معالجة الظواهر اللسانية معالجة دقيقة على منوال العلوم الطبيعية والرياضية ، أي بالاعتماد على النماذج الرياضية و المنطقية ، و كذلك على المنهج التجريبي في دراسة جزئيات اللغة فاعتبرت هذه الدراسة أول تعميق منهجي و علمي لأراء دي سوسير اللسانية ، و أول عصرنة للدراسات اللغوية باستخدام المناهج العلمية و الرياضية (02) ...
كما حاولت دراسة الأصوات من حيث هي صور وأشكال ، دون الرجوع إليها كمظاهر مادية وسعت هذه المدرسة إلى استخراج النظام اللساني من المادة التي ينتظم فيها ، فالبنية في نظر هيلمسليف قابلة للانفصال عن ما تبنيه . يقول هيلمسليف : « إن المقصود باللغويات البنيوية هو مجموع الأبحاث التي تستند إلى فرض واحد مؤداه أنه من المشروع علميا وصف اللغة باعتبارها أولا و بالذات كيانا مستقلا من العلاقات الباطنية التي يتوقف بعضها على البعض الآخر ، أعني – بكلمة واحدة - " بنية " ... »(03) . و لذلك فقد عرفت هذه المدرسة بالمعالجة العلمية الدقيقة للغة ، من خلال الدراسة المنطقية المجردة .
المدرســة الروسيـــة
إذا كانت النزعة "البنيوية الروسية" بالمعنى المحدد للكلمة – لم تظهر إلى حيز الوجود إلا عــــام 1928 و ذلك في المؤتمر العالمي لعلوم اللسان المنعقد بمدينة لاهاي بهولندا، عندما قدم كل من جاكبسون (Jackobson) كارسفسكي(Karcevesky)، و تروبتسكوي(Troubetzkoy) بحثا علميا يتضمن الأصول الأولى لهذه النزعة، و لم يلبثوا أن أصدروا بعد ذلك بيانا أعلنوه في المؤتمر الأول للغويين السلاف الذي انعقد في براغ عام 1929 استخدموا فيه كلمة "بنية" بالمعنى المستعمل اليوم، و دعوا فيه إلى اصطناع "المنهج البنيوي" بوصفه "منهجا علميا" صالحا لاكتشاف قوانين بنية النظم اللغوية تطورها" (04) فإن الأصول الأولى للحركة البنيوية الروسية قد تكونت في مدارس خاصة، عرفت بمدارس الدراسات السلافية التقدمية، و هي تمثل – في نفس الوقت – المدارس البنيوية الروسية التي لم تنبثق عن الفكر السوسري.
مدرسة فورتوناتوف أو مدرسة موسكو:مؤسس هذه المدرسة هو الباحث اللساني الروسي فيليب فيدورفيتش فورتوناتوف Filip Fedorovic Fortanatoy Troubetzkoy) ( (1914-1848)، كان أستاذا للنحو المقارن بجامعة موسكو، و كان معاصرا لبودوان دي كورتوناي، و قدم عدة أفكار لغوية تقدمية أيضا بالنسبة للزمن، و إن لم تبلغ مبلغ آراء دي كورتوناي في حقبة قازان. و من الأعمال التي قدمها هذا اللساني ما يلي:
• استطاع أن يدرك الأهمية التي يمكن أن ينطوي عليها التفريق المنهجي بين الرؤية التزامنية (الآتية) و الزمانية (التاريخية).
• و كان قادرا بحدسه المتميز اختيار المعايير الخاصة بالتحليل اختيارا صحيحا، فتجنب ـ بنجاح – إدخال علم النفس في اللسانيات
و كانت أفكار فورتوناتوف المنهجية مصدر إلهام للعمل الذي قام به أعلام بارزون في الدراسات السلافية مثل بشكوفسكي﴿Peskovsky ﴾، شاخماتوف ﴿Saxmatoy ﴾، بيليتش ﴿Belic﴾ و قد ظلت تقاليد مدرسة فورتوناتوف مستمرة في الاتحاد السوفياتي في السنوات الأولى التي أعقبت الثورة الروسية »
و لم تختف مدرسة فورتوناتوف إلاّ بعد أن تركت آثارها في الأقطار السلافية ، فقد كان لمؤسسها فورتوناتوف تلاميذ موهوبون اعتنقوا آراءه التقدمية في اللغة و طوروها بالممارسة، و لاسيما تلميذه المخلص ألكسندر بليتش ﴿ Alescamder Belic ﴾ ( 1960-1876) الذي كان من بين أساتذته عدد من أعلام النحاة المحدثين، و من إسهاماته اللسانية ما يلي :
تتعلق أفكاره الأصلية – التي انبثقت في أغلبها من دراسة الجادة للغة الصربوكراوتية ـ بنظرية تجاوز العناصر اللغوية﴿ Theovy of sgntagmatics ﴾ (و هي التي تعنى بدراسة أنماط تآلف الكلمات على المستوى النحوي).
تمكن من لفت الانتباه إلى بحث الوظيفة البنيوية للكلمات، حتى يمكن فهم كل من الاختلافات في تركيبها الصرفي و مبادئ تسلسلها.
الفصل الثاني : :التأثيرات الفكرية التي نتجت عن البنيوية
المبحث الأول : المقاربة البنيوية و التحولات التي مرت بها
إنّ نهاية الستينيات وبداية السبعينيات كانت المخاض الحقيقي للتحول الذي حدث في النظرية النقدية البنيوية. وساهمت عوامل عدة في حدوث هذا التحول، وأنا أعتقد أنّ الذي قام بكشف ظهر البنيوية هو الرواية، بوصفها جنساً أدبياً ذا صلة مرجعية بالعالم الخارجي، فلا يمكن اختزالها إلي مجرد مجال صالح للتطبيقات اللسانية الصرفة. وعلي هذا الأساس، فقد كانت الدراسات الخاصة بتحليل العناصر الشكلية والدلالية للرواية تفعل فعلها في تعرية المنطق البنيوي. إذْ كشفت الدراسات التي تعني بتحليل السرد أنّ الأعمال الروائية تفترض قارئاً أو مؤلفاً ضمنيين. مما يعني أنّ المنطق البنيوي في تجريد النصّ من السياقات المرتبطة به وجعله عالماً مكتفياً بذاته، قد بدأ يتقلقل. وعلي أثر ذلك، فقد استشرت رغبة محمومة للبرهنة علي تهافت المنطق البنيوي الذي ازدهر إبّان الخمسينيات والستينيات في فرنسا بصحبة الدراسات اللسانية وحركة التحليل النفسي الجديد التي يقودها جاك لاكان. لقد قام عدد من النقاد بتفسير الكيفية التي تصاغ بها شخصية المؤلف ضمن النظام النصّي للرواية، وهذا خرق لفرضية أساسية من الفروض البنيوية، وهي فرضية موت المؤلف التي أرادت البنيوية أن تحاكي بها خطاب العلوم الذي تجرد من هيمنة المؤلف منذ القرن السابع عشر علي عكس الخطاب الأدبي، كما يشير إلي ذلك فوكو في جينالوجيا المعرفة. ثم انتقلت هذه الدراسات السردية لتفسير قضية أخري ذاتِ روابط يقع بعضها خارجَ النصّ، فيما يقع بعضها الآخر في النصّ نفسه، وهي الطريقة التي تصاغ بها وجهة النظر point of view في العمل الروائي، بوصفها نظام الأفكار المنقول بوساطة الضمائر المستعملة في الرواية، وطريقةَ سردها سرداً فنياً موهماً القارئ بحقيقة ما يجري من أحداث.
إنّ الأمر الجدير بالانتباه هنا، هو أنّ وجهة النظر تصحب معها بالضرورة أفكاراً وتحيزات اجتماعية أو أيديولوجية. وعلي هذا الأساس كان تطور الرواية يتقدم باتجاه تحديث تقنيـة الراوي، من خلال تعدد الرواة في عمل واحد، لا لمسوّغٍ يتعلق بالبنية اللسانية للنصّ وإنما لغرضِ خلقِ نمطٍ من أنماط التأثير والاستجابة، وكذلك لغرض خلق ضرب من ضروب الحوار مع الخارج ذي العلاقة بالبنية الاجتماعية أو بالتعاقب التاريخي، وما يصاحبهما من تغيرات شاملة. وقد اعترف تودوروف بأنّ وجهة النظر ربما تحمل خطاباً ايديولوجياً يتم عرضه من خلال البنية السردية للرواية. فالقبول، إذن، بفرضية (وجهة النظر) بحسب إشارة تودوروف يعني القبول بفرضية (التاريخ) التي تشكل القيمة الجمالية والدلالية للأعمال الأدبية بعامة. إنّ القارئ يتقمص الشخصية الروائية ذاتَ وجهة النظر، ويسعي إلي كشف الطابع المنطقي لبنائها، وربما تتعارض كثير من اعتقاداته مع اعتقادات تلك الشخصية، ولكنه يبحث في النهاية عن انسجامها مع طبيعتها وأفعالها. وهذا هو المنطق الذي يتحكم بالعلاقة بين القارئ العادي والعمل الروائي. وقد انشغل عدد من نقاد الأدب بالبحث عن معايير تلك العلاقة، التي تربط القارئ بالرواية. وساهم ذلك في خلق جدل نقدي حول الصلة المفترضة والمثيرة للقارئ بالتركيب الفني لعناصر العمل الأدبي. علي النحو الذي تمثل في ما قام به واين بوث في كتابه بلاغة الرواية rhetoric of fiction.
فقد أراد بوث في العام 1961 أنْ يبحث في مجمل الخصائص الشخصية للمؤلف الضمني الذي اقترحه في كتابه الآنف الذكر، ومعروف أنّ مفهوم المؤلف الضمني هو أحد المفاهيم الأساسية التي أوحت لآيزر في صياغة مفهوم القارئ الضمني implied reader الذي هاجم به الفرضية البنيوية التي تستبعد من النصّ العناصر الخارجية. واشترك هذا المفهوم ومفاهيم أخري في كتاب بوث في زحزحة كثير من الاعتقادات البنيوية السائدة، وفي تحويل مركزية الخطاب النقدي من مركزية نصية إلي مركزية تتعلق بالنص وبأفعال القراءة معاً، وبعمليات التأويل التي زعمت اتجاهات ما بعد البنيوية أنها تضيف إلي النص نصاً آخر تُملأ به الفجوات، التي هي جزء أساسي من بناء العمل الأدبي.
لقد زعم بوث أنّ النصوص الروائية المتخيلة كلها توحي بـ: مؤلف ضمني يرتبط به القارئ في أثناء القراءة (وقال:) إنّ المؤلف الضمني لكل رواية هو شخص ما يجب أنْ أتفق، إلي حد كبير، مع معتقداته إذا ما كان عليَّ أنْ أستمتع بعمله. وعلينا أن نعترف هنا، بأنّ عدداً من الدراسات الخاصة ببنية القصة والرواية كانت تجلّي فكرة انفتاح النصّ علي سياقات متعددة، كانت بمثابة البداية لخلق أزمة منهجية في المقاربة البنيوية. فقد ظهرت (أعمال روملهارت 1975، وماندر، وجونسن 1977، وستين وجلين 1979، وآخرون وهي تشدد علي بنية القصة) وهنالك مقالان علي قدرٍ كبيرٍ من الأهمية ينسبان للغوي الاجتماعي الأميركي وليم لابوف (الأول مكتوب بالاشتراك مع جوسيا وولتسكي، ظهر في Helms في العام 1967 تحت عنوان: تحليل السرد، الحكاية الشفاهية في التجربة الشخصية. والثاني ظهر في هيأة الفصل التاسع من لسانيات لابوف في: Inner city وقد عنون بـ: التجربة التحويلية في التركيب السردي... وهما يرغبان في فحص سرود كثيرة، ليشرعا، ويرويا خصائص السرد اللسانية والشكلية ووظائفها). إنّ الشيء المهم في هذه الدراسات هو أنها أظهرت أنّ البنية اللغوية لم تعد وحدها كافية لتجلية المعني الأدبي، فهنالك فجوات في النصّ نفسه بحاجة إلي إيضاحات تأتي من خارج بنيته. وعلي هذا الأساس كانت هنالك عودة منهجية إلي كلّ علمٍ يساهم في إعادة ربط الدلالات البعيدة للنص التي تم إقصاؤها منه حتي لا يكون وثيقة مرجعية خالصة، وإنما بناءً تخييلياً مخصوصاً يأخذ بنظر الاعتبار مسألة تطور الجنس الأدبي.
المبحث الثاني : صراع ضد البنيوية
وإضافة إلي العامل الخاص بالرواية التي تمردت علي التقنين اللساني، فثمة عامل آخر جدير بالالتفات، هو الصراع الذي كان يخوضه النقاد اليساريون ضد البنيوية، متمثلاُ بجورج لوكاش، وبتلميذه الناقد الروماني الأصل لوسيان جولدمان في مجموعة من كتبه، ككتاب (الإله الخفي) الصادر في العام 1955 عن دار جاليمار في باريس، وكتاب (من أجل علم اجتماع الرواية) الصادر في العام 1964 عن دار جاليمار أيضاً، وكتاب (علم اجتماع الإبداع الأدبي). لقد ساهم جولدمان كثيراً في مناهضة البنيوية بصورتها الفرنسية، واشترك في الندوة الشهيرة التي أقامتها جامعة جونز هوبكنز في العام 1966 ببحث موسوم بـ(البنية: الواقع الإنساني والمفهوم المنهجي) وهو أحد البحوث التي عمِلت مع بحث جاك دريدا الموسوم بـ(البنية واللعب والعلامة في خطاب العلوم الإنسانية) علي شطر الندوة شطرين: الأول يقوده بارت وتودوروف ولاكان، والثاني يقوده جولدمان ودريدا. وأدي ذلك إلي احتضان (جامعة ييل) جاك دريدا الذي اجتمع حوله عدد من النقاد المناهضين للبنيوية، فأسسوا ما عُرف بـ(مجموعة نقاد ييل) التي ضمت (بول دي مان وجيوفري هارتمان و هيلز ميللر وآخرين). وقد ترك جولدمان أثراً واسعاً في النقد الانكليزي، ففي إحصائية قام بها الدكتور جابر عصفور بيّن فيها الترجمة الواسعة لكتب جولدمان إلي الانكليزية، إذ تُرجمت له تسعةُ كتب من سنة 1964 إلي سنة 1980. ويأسف جابر عصفور علي عدم العناية الكافية من جانب النقد العربي بترجمة أيّ عمل من أعمال جولدمان في ذلك التاريخ. ويبدو لنا أسفُ جابر عصفور مقبولاً لأنّ السبعينيات شهِدت بداية تدهور البنيوية في فرنسا، وبداية ظهور اتجاه جمالية التلقي في جامعة كونستانس في ألمانيا. وفي ميدان الفلسفة كان جاك دريدا يدعو في العام 1966 في ندوة جامعة جونز هوبكنز إلي (تفكيك ميتافيزيقا الحضور التي تنعكس في فكرة البنية نفسها). ولم تكن القراءة التفكيكية سوي تعارضٍ مع (المبدأ الذي يقول بأنّ في لغة النص يكمن الأساس الخاص بالنسق الذي يشتمل علي عمل وظيفي كاف... وان النص يمتلك نسقاً لغوياً أساسياً بالنسبة لبنيته الخاصة، التي تمتلك وحدة عضوية، أو نواةً ذاتَ مدلول قابل للشرح). وقد تنبه البنيويون أنفسهم إلي شيء من تلك الأزمة، فهذا جيرار جينيت يعتقد أنه بما أن الأدب (نتاج لغة، وبما أن البنيوية... منهج لساني بامتياز، فاللقاء الأكثر احتمالاً ينبغي أن يحدث بالتأكيد في ميدان المواد اللسانية: فالأصوات والأشكال والكلمات والجمل تؤلف الموضوع المشترك بين اللساني والفقيه اللغوي الذي يدرس النصوص إلي درجة أنه أمكن في البدايات الحماسية للحركة الشكلانية الروسية تحديد الأدب كلهجة بسيطة والنظر إلي دراسته كملحق بمبحث اللهجات العام فالمنهج البنيوي يعني بتماثلات في النص نفسه ويغض الطرف عن تماثلات مرجعية أخري كان يدافع عنها جولدمان ولوكاش وآخرون. فهذا المنهج يريد أن يعثر (في الشفرة علي الرسالة التي تبرز من خلال تحليل بني ماثلة، ولا تكون (الرسالة) مفروضة من الخارج بأحكامٍ إيديولوجية مسبقة). لقد خلقت تلك التحليلات اعتقاداً باغتراب الإنسان عن النصوص التي صنعها هو، ومن هنا فقد هتف الطلاب، في ثورتهم المعروفة في العام 1968 التي أطاحت بحكومة ديجول، ضد البنيوية، ورفعوا شعار (فلتسقط البنيوية).
المبحث الثالث : البنيوية في العالم الغربي و العالم العربي
البنيوية في العالم الغربي:
يعد كتاب Ferdinand de Saussure فرديناند دوسوسير "محاضرات في اللسانيات العامة" الذي ظهر سنة 1916م أول مصدر للبنيوية في الثقافة الغربية، ذلك أن سوسير اعتبر اللغة نسقا من العناصر بينها تفاعلات وظيفية وصفية. وحدد للمنهجية البنيوية مرتكزات أساسية كاللغة والكلام واللسان، والدال والمدلول، والسانكرونية والدياكرونية، والمحور الأفقي والمحور التركيبي، والتقرير والإيحاء، والمستويات اللغوية من صوتية وصرفية وتركيبية ودلالية...
وقد تفرعت البنيوية اللسانية السوسورية إلى مدارس لسانية كالوظيفية الوصفية مع أندري مارتيني A.Martinet ورومان جاكبسونR.Jakobson وتروبوتسكوي Troubetzkoy وكوگنهايم، ،والگلوسيماتيمكية مع هلمسليف Hjelmslev، والتوزيعية مع بلومفيلدBloomfield وهاريس Harris وهوكيتHockett... لتنتقل البنيوية مع نوام شومسكي Chomsky إلى بنيوية تفسيرية تربط السطح بالعمق عن طريق التأويل. ومع فان ديك وهاليداي، ستتخذ البنيوية اللسانية طابعا تداوليا براجماتيا ووظيفيا.
وأول من طبق البنيوية اللسانية على النص الأدبي في الثقافة الغربية نذكر كلا من رومان جاكبسون وكلود ليفي شتروسLévi- Strauss على قصيدة " القطط " Les chats للشاعر الفرنسي بودليرBaudelaire في منتصف الخمسينيات. وبعد ذلك ستطبق البنيوية على السرد مع رولان بارت Barthes وكلود بريموند Bremond وتزيطيفان تودوروف Todorov وجيرار جنيتGenette وگريماس Gremas... كما ستتوسع ليدرس الأسلوب بنيويا وإحصائيا مع بيير غيرو Guiraud دون أن ننسى التطبيقات البنيوية على السينما والتشكيل والسينما والموسيقا والفنون والخطابات الأخرى.
البنيوية في العالم العربي:
لم تظهر البنيوية في الساحة الثقافية العربية إلا في أواخر الستينيات وبداية السبعينيات عبر المثاقفة والترجمة والتبادل الثقافي والتعلم في جامعات أوربا. وكانت بداية تمظهر البنيوية في عالمنا العربي في شكل كتب مترجمة ومؤلفات تعريفية للبنيوية ( صالح فضل، وفؤاد زكريا، وفؤاد أبو منصور، وريمون طحان ، ومحمد الحناش، وعبد السلام المسدي، وميشال زكريا، وتمام حسان، وحسين الواد، وكمال أبوديب....) ، لتصبح بعد ذلك منهجية تطبق في الدراسات النقدية والرسائل والأطاريح الجامعية.
ويمكن اعتبار الدول العربية الفرانكوفونية هي السباقة إلى تطبيق البنيوية وخاصة دول المغرب العربي ولبنان وسوريا ، لتتبعها مصر ودول الخليج العربي.
ومن أهم البنيويين العرب في مجال النقد بكل أنواعه: حسين الواد، وعبد السلام المسدي ، وجمال الدين بن الشيخ، وعبد الفتاح كليطو، وعبد الكبير الخطيبي، ومحمد بنيس، ومحمد مفتاح، ومحمد الحناش، وموريس أبو ناضر، وجميل شاكر، وسمير المرزوقي، وصلاح فضل، وفؤاد زكريا، وعبد الله الغذامي...
المبحث الرابع : البنيوية اللسانية والنقد الأدبي
ظهرت البنيوية اللسانية في منتصف العقد الثاني من القرن العشرين مع رائدها فرديناند دو سوسير من خلال كتابه" محاضرات في اللسانيات العامة" الذي نشر في باريس سنة 1916م . وقد أحدثت هذه اللسانيات البنيوية قطيعة إبستمولوجية(معرفية) مع فقه اللغة والفيلولوجيا الدياكرونية. وكان الهدف من الدرس اللساني هو التعامل مع النص الأدبي من الداخل وتجاوز الخارج المرجعي واعتباره نسقا لغويا داخليا في سكونه وثباته . وقد حقق هذا المنهج نجاعته في الساحتين اللسانية والأدبية حينما انكب عليه الدارسون بلهفة كبيرة للتسلح به و استعماله منهجا وتصورا ومقاربة في التعامل مع الظواهر الأدبية والنصية واللغوية. وأصبح المنهج البنيوي أقرب المناهج إلى الأدب لأنه يجمع بين الإبداع و وخاصيته الأولى وهي اللغة في بوتقة ثقافية واحدة، أي يقيس الأدب بآليات اللسانيات قصد تحديد بنيات الأثر الأدبي وإبراز قواعده وأبنيته الشكلية والخطابية.
الخاتمة :
أن البنيوية منهج فكري نقدي مادي ملحد غامض، يذهب إلى أن كل ظاهرة إنسانية كانت أم أدبية تشكل بنية، لا يمكن دراستها إلا بعد تحليلها إلى عناصرها المؤلفة منها، ويتم ذلك دون تدخل فكر المحلل أو عقيدته الخاصة ونقطة الارتكاز في هذا المنهج هي الوثيقة، فالبنية، لا الإطار، هي محل الدراسة، والبنية تكفي بذاتها ولا يتطلب إدراكها اللجوء إلى أي عنصر من العناصر الغريبة عنها، وفي مجال النقد الأدبي، فإن الانفعال أو الأحكام الوجدانية عاجزة عن تحقيق ما تنجزه دراسة العناصر الأساسية المكونة لهذا الأثر، ولذا يجب فحصه في ذاته من أجل مضمونه وسياقه وترابطه العضوي، والبنيوية، بهذه المثابة، تجد أساسها في الفلسفة الوضعية لدى كونت، وهي فلسفة لا تؤمن إلا بالظواهر الحسية، ومن هنا كانت خطورتها.
قائمة المراجع :
1- المسدي، عبدالسلام، قضية البنيوية دراسة ونماذج، وزارة الثقافة، ط1، تونس، 1991م.
2- غولدمان، لوسيان وآخرون، البنيوية التكوينية والنقد الأدبي، مؤسسة الأبحاث العربية، ط2، بيروت، لبنان، 1986م.
3- كمال محمد بشر، "علم اللغة العام- الأصوات -"، دار المعارف للنشر، ط(01)، مصر، 1971.
4- صلاح فضل، "نظرية البنائية في النقد الأدبي.
5- إبراهيم زكريا، "مشكلة البنية،مكتبة مصر للمطبوعات،ط1 ،1990 .
6- س. رافيندران، البنيوية والتفكيك (تطورات النقد الأدبي)، ترجمة: خالدة حامد، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، الطبعة الأولى، 2000م، ص 85 .
7- وفاء محمد كامل، "البنيوية في اللسانيات"، " عالم الفكر " ، المجلد ﴿ 26 ﴾ ، العدد ﴿02﴾ .
8- إديث كريزويل، عصر البنيوية، ترجمة: جابر عصفور، دار سعاد الصباح، الطبعة الأولى.
Enregistrer un commentaire